لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
109208 مشاهدة
نحن مأمورون بمعرفة الله تعالى

كذلك إذا أخلص العبد لله تعالى؛ فعليه أن يعرف ما خُلِقَ له وما أُمِرَ به، فنحن مأمورون بمعرفة الله تعالى، فإذا قيل لك: مَنْ ربك؟ تقول: ربي الله. الرب هو الْمُرَبِّي، أو الرب هو المالك. الله تعالى هو رب العالمين؛ أي مالكهم، الملك الحقيقي لله تعالى، فرَبُّنَا الله؛ يعني مالِكُنا، وربنا الله؛ يعني مُرَبِّينا الذي ربَّانَا بِنِعَمِهِ. قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ يعني مالكهم وخالقهم. كل ما سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم. العالم هم الخلق كلهم: رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ يعني رب الخلق كلهم.
لماذا سُمُّوا بالعالمين؟ العالم هو الذي فيه العلامة على أنه آية من آيات الله تعالى، عالم؛ يعني بهم يُعْرَفُ مَنْ أوجدهم وَمَنْ خلقهم، وَمَنْ رزقهم، والذي يملكهم؛ فكلمة رَبِّ الْعَالَمِينَ يعني رب الخلق كلهم، حيوانهم وجمادهم وأشجارها، وجميع ما في الوجود فإنه عالم؛ وذلك لِأَنَّ بِهِ تُعْرَفُ، أو بهذا يعلم العلامة الظاهرة على عظمة من أوجده ومن خلقه.
وقد بَيَّنَ الله تعالى الآيات والدلالات التي تَعَرَّفَ بها إلى خلقه؛ فَتَعَرَّفَ إليهم بهذه الآيات وهذه المخلوقات؛ ولهذا مَنْ تفكر في أصغر مخلوقات الله تعالى؛ وجد فيه علامةً ظاهرةً، وآيةً بَيِّنَةً على أنه مخلوق، وأن الذي خلقه قد أتقنه، وأن الخالق له هو المستحق للعبادة.
ولهذا لَمَّا تكلم المفسرون على مثل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ عَرَّفُوا ما تدل عليه الآيات من أَنَّ الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة، فإنه ذَكَّرَهُمْ أَوَّلا بأنه هو الذي خلقهم؛ أي ابتدأ خَلْقَهُمْ وأخرجهم إلى هذه الدنيا بعد أن كانوا عَدَمًا، وخلق آباءهم وأجدادهم وأسلافهم بعد أن لم يكونوا شيئا، كما قال تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ؛ يعني قد أتى عليه دهرٌ لم يكن شيئا؛ أي لم يكن موجودا، ثم بعد ذلك خلقه الله من نطفة أمشاجٍ؛ يعني سلالة كما في الآية الأخرى في قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ .
فإذا تفكر الإنسان في أنه كيف أخرجه الله، وكيف طوره؛ عرف بذلك عظمة مَنْ خَلَقَهُ، وكذلك إذا تعرف أيضا على خلق آبائه وأجداده وأسلافه أبًا عن جَدٍّ، وقديما عن حديث، أو حديثا عن قديم؛ عرف أن الخالق هو الله وحده، وأنه الذي قَدَّرَ خلق هذه المخلوقات.
وكذلك قوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ؛أي جعلها مُمْتَدَّةً مبسوطة، بسطها الله تعالى؛ ليقيموا عليها: وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ .
لا شك أن هذا كله دليل على أن الذي خلق هذه المخلوقات هو المستحق للعبادة وحده، فربنا الله: الذي ربَّانَا بنعمه.
الرب هو المعبود، الرب هو المالك، الرب هو الْمُدَبِّرُ، الرب هو الْمُرَبِّي، المالك لكل شيء، كل المخلوقات تخضع لعظمته، كل المخلوقات خاضعة لجلاله وجبروته سبحانه!
نعرف بذلك أنه سبحانه مالِكُنا، ومالك الخلق يقول الله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
والآيات في هذا كثيرة دالَّةٌ على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأنه مالك كل شيء.